top of page

نبدة عن حياة أبو سالم مولاي إبراهيم بن أحمد الأمغاري الحسني

 

أبو سالم إبراهيم بن أحمد بن عبد الله بن حساين الأمغاري الشهير بـ" طير الجبال" نزيل جبل كيك، الشريف الإدريسي الحسني، نشأ في بيت النسبة و التصوف، فهو ينتمي إلى أشهر بيت من بيوتات التصوف والصلاح في المغرب، وهو بيت آل أمغار. قال أبو العباس أحمد الخطيب الشهير بابن قنفد القسنطيني في كتابه "أنس الفقير وعز الحقير"(1) ما نصه : " وهذا البيت أكبر بيت في المغرب في الصلاح لأنهم يتوارثونه كما يتوارث الناس المال".

تربى مولاي إبراهيم على يد جده منذ كان في أول مراحل صباه، وعنه أخذ الطريق الصوفية الغزوانية التباعية الجزولية الأمغارية. و" يقال أنه استمد من جده المذكور مع الشيخ الشهير أبي العباس سيدي أحمد بن موسى السملالي" (2) ويذكر الإفراني أيضا أنه كانت لمولاي إبراهيم مشاركة في العلوم إذ أخذ عن الشيخ المنجور وعبد الله بن طاهر الحسني وأبي مهدي السجتاني وغيرهم (3)، كان رحمه الله يشتغل بخطة العدالة بمراكش يقطن منزل جده بحي القصور. ثم لما كثر أتباعه ومريدوه ارتحل إلى جبل كيك واستقر بالمكان الذي به قبره الآن والذي كان يدعى "إمي ن يغيسي" أي مدخل شق الجبل، من قبيلة سكتانة بـ غيغاية، وبه أنشأ زاويته المشهورة، وهي تابعة حاليا لنفوذ دائرة تحناوت من عمالة إقليم الحوز.

أنشأ مولاي إبراهيم رباطا صوفيا بجبل كيك، وكان في حياته يحج إليه في موسمه الاحتفالي بعيد المولد النبوي الشريف أزيد من أربعين ألف مريد من الرجال والنساء.

يقول الإفراني : "فاستقر به الرحل بموضع يقال له كيك، فقصده الناس من الآفاق البعيدة، وشدوا له الرحال من النواحي الشاسعة، وازدحم على بابه ما لا يحصى حتى أنه اجتمع عنده في بعض الأيام ثلاثون ألفا من الرجال وتسع آلاف من النساء" (4).

وكان رضي الله عنه من أهل الكرامات والأسرار الظاهرة، بنى طريقه على الكرم والجود وإطعام الطعام وكان يحث مريديه على إتباع السنة و التزام أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما شمائل العطاء والإطعام. قال الإفراني : " وكانت له بركة ضاهرة في الطعام فتجد طعامه قليل و هو مع ذلك يكفي الالاف العديدة  وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر (5) وكانت له عناية خاصة بالنساء اللواتي لا مأوى لهن، إذ أنشأ لهن دارا خاصة بهن لا تزال إلى يوم الناس هذا تؤوي النساء المعوزات عديمات المأوى تحت كفالة الزاوية و عناية الشرفاء الأمغاريين حفدة هذا الولي الصالح الذي انتفع الناس به حيا وميتا. وكان من أقوال مولاي إبراهيم : "دارنا دار سر لا دار علم" كناية عن كون علوم الحقيقة تتلقى بغير واسطة معلم إشارة إلى قول الله تعالى:

(6){ وعلمناه من لدنا علما }.

ومن أقواله أيضا : "مقامنا كمقام إبراهيم الخليل من دخله كان آمنا" إشارة إلى أمان اللائذ بحرم الشيخ. ومنه أيضا قوله : "من عرفنا وقام بمعرفتنا وجدنا ووجد غيرنا، ومن عرفنا و عرف غيرنا لم يجدنا ولم يجد غيرنا" كناية على حث المريد على التزام الصدق والوفاء إتباع شيخه والانقياد له

وكان الشيخ مولاي إبراهيم يعمل السماع ويتواجد مع أصحابه. كما كانت تعتريه بعض الأحوال فيغيب عن شهوده لما يرد عليه من الواردات الربانية.

ويذكر أنه في أحد الأيام خرج على مريديه فقال : " يا من بيده العزة, هز القلوب هزة، فتواجد كل من  حضر  تغيرت أحوالهم تائهين حيارى ثلاثة أيام، ثم خرج عليهم في اليوم الثالث فقال : "يا من بيده القدرة رد القلوب تبرا، ففارقة الناس أحوالهم وعادوا إلى ما كانوا عليه".

وذكر أن الشيخ مولاي إبراهيم رحمه الله كان قد أمر السلطان زيدان بن أحمد المنصور السعدي بالقبض عليه لدسيسة دسها عليه بعض الحاسدين الكائدين عند السلطان المذكور، ولهذا السبب ترك مراكش وارتحل إلى كيك حيث صحت نبوءة الشيخ العارف بالله سيدي أحمد بن موسى السملالي الذي تذكر المصادر المترجمة للشيخ مولاي إبراهيم أن سيدي أحمد بن موسى كان يزور جد المترجم له، وكان مولاي إبراهيم الأمغاري صبيا في حجر جده مولاي عبد الله بن حساين الأمغاري، فمرت دجاجة تقرقر قرب الشيخ مولاي عبد الله بن حساين فقال له سيدي أحمد بن موسى : أعندكم مكان يقال له كيك فأجابه سيدي عبد الله بن حساين : نعم، فقال سيدي أحمد بن موسى فيه سيظهر سر ولدك هذا وكذا قالت الدجاجة، وكذلك كان بحمد الله.

ثم إن السلطان السعدي ما لبث أن رجع عن طلب الشيخ مولاي إبراهيم فبعث له بظهير يسترضيه فيه ويأمر له بالتوقير والاحترام و الإنعام و نصه:  بعون الله مسير المأرب في المشارق و المغارب جددنا بحول الله و قوته لحملته المرابط الخير أبي سالم إبراهيم بن احمد و جملة إخوانه حفدة الشيخ الصالح  السيد عبد الله بن حساين الكريم المتضمن إجراؤهم على عوائدهم المعروفة لهم من قديم بحيث لا تخرق عليهم عاداتهم في شيء من الأشياء و كذلك أجنتهم و كذلك أصحابهم المعروفون من القديم تجديدا تاما ومن وقف عليه يعمل بمقتضاه و السلام في أوائل ذي القعدة الحرام سنة إحدى و أربعين و ألف.

وتوفي الولي الصالح مولاي إبراهيم بن أحمد الأمغاري عن سن عالية أناف بها عن المائة عام، سنة اثنتين وسبعين وألف للهجرة (1072هـ) وبنيت عليه قبة حافلة وقبره إلى الآن مزارة عظيمة، رحمه الله ورضي عنه وأرضاه.

وله ستة أبناء مولاي أمغار و مولاي احمد و سيدي محمد التومي و مولاي العربي و سيدي أبو عبيد و مولاي الوافي و بنتين  لالة محلة و لالة صفية.

 

 

 

 

  • (1) "أنس الفقير في عز الفقير" لابن قنفد القسنطيني (تـ 810هـ) ص 21 منشورات جامعة محمد الخامس كلية الآداب بالرباط، تصحيح محمد الفاسي وأدولف فور.

  • (2) "صفوة من انتشر" لمحمد بن الحاج الصغير الإفراني، ص 265 تحقيق عبد المجيد خيالي، منشورات المركز الثقافي الدار البيضاء.

  • (3) المرجع نفسه ص 266.

  • (4) المرجع نفسه ص 265

  • (5) سورة الكهف آية 65

     

     

     

     

     

     

     

     

     

© 2016 جميع الحقوق محفوظة

®ممنوع الزر الأيمن
bottom of page